تخطى إلى المحتوى

شبهة: الإفراط في الأدلة العقلية

هذه شبهة يذكرها بعضهم معترضاً على علماء أهل الحق يدعون فيها: الإفراط في الأدلة العقلية أجاب عنها العلامة أبو بكر بن العربي رحمه الله:
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْقَاضِي أَبُو بَكْر ابْن الْعَرَبِي الْـمَالِكِي رحمه الله (ت:543هـ): ((فَإِنْ قِيلَ: فَمَا عُذْرُ عُلَمَائِكُمْ فِي الِإفْرَاطِ بِالتَّعَلُّقِ بِأَدِلَّةِ الْعُقُولِ دُونَ الشَّرْعِ الْـمَنْقُول فِي مَعْرِفَةِ الرَّبِّ، وَاسْتَوْغَلُوا فِي ذَلِكَ؟.

قُلْنَا: لَـمْ يَكُنْ هَذَا لِأَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ كِتَابَ اللهِ مِفْتَاحُ الْـمَعَارِفِ، وَمَعْدَنُ الْأَدِلَّةِ، لَقْدَ عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ إِلَى غَيْرِهِ سَبِيلٌ، وَلَا بَعْدَهُ دَلِيلٌ، وَلَا وَرَاءَهُ لِلْمَعْرِفَةِ مِعْرَسٌ وَلَا مَقِيلٌ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ وَقَعَتْ فِي كِتَابِ اللهِ مُخْتَصَرَةً بِالْفَصَاحَةِ، مُشَاراً إِلَيْهَا بِالْبَلَاغَةِ، مَذْكُوراً فِي مَسَاقِهَا الْأُصُولَ، دُونَ التَّوَابِعِ وَالْـمُتَعَلَّقَاتِ مِنَ الْفُرُوعِ، فَكَمَّلَ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ الِاخْتِصَارَ، وَعَبَّرُوا عَنْ تِلْكَ الِإشَارَةِ بِتَتِمَّةِ الْبَيَانِ، وَاسْتَوْفُوا الْفُرُوعَ وَالْـمُتَعَلَّقَاتَ بِالْإِيرَادِ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يُبَصِّرُوا الْـمَلَاحِدَةَ، وَيُعَرِّفُوا الْـمُبْتَدِعَةَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعُقُولِ الَّتِي يَدَّعُونَهَا لِأَنْفُسِهِمْ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مِعْيَارَهُمْ، لَا حَظَّ لَهُمْ فِيهَا، وَزَادُوا أَلْفَاظًا حَرَّرُوهَا بَيْنَهُمْ، وَسَاقُوهَا فِي سَبِيلِهِمْ، قَصْدًا لِلتَّقْرِيبِ، وَمُشَارَكَةً لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ مُنَازَعَتِهِمْ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ كَيْفَ دَارَتْ الْحَالُ مَعَهُمْ مِنْ كَلَامِهِمْ بِمَنْقُولٍ أَوْ مَعْقُولٍ، فَإِنَّهُمْ فِيهِ عَلَى غَيْرِ تَحْصِيلٍ، وَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ بِتَتَبُّعِ أَدِلَّتِهِمْ فِي الْفُصُولِ.
فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَوْعَبَ الْقَوْلَ فِي حَدَثِ الْعَالَـمِ، وَنَبَّهَ بِاخْتِلَافِ الْأَعْرَاضِ عَلَيْهَا فِي الِانْتِقَالَاتِ، وَكَذَلِكَ كَرَّرَ الْقَوْلَ فِي دَلَالَةِ التَّوْحِيدِ بِالتَّمَانُعِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾[الْـمُؤْمِنُونَ:91]، وَقَوْلِهِ: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾[الْأَنْبِيَاء:22].
وَهَذَانِ الدَّلِيلَانِ هُمَا اللَّذَانِ بَسَطَ الْعُلَمَاءُ وَمَهَّدُوا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ فُصُولٍ وَتَوَابِعٍ، ثُمَّ تَكَلَّمُوا مَعَ الْـمُخَالِفِينَ بِمُجَرَّدِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ غَيْر هَذَيْنِ لِيَرَى الْـمُلْحِدُ أَنَّهُ مَحْجُوجٌ بِكُلِّ طَرِيقٍ))[قَانُونُ التَّأْوِيل لِلْقَاضِي ابْن الْعَرَبِي (ص:501-503)]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *