بارك الله بكم شيخنا الكريم : وددت ان أسألكم عن مسألة يحتج بها بعض الناس لنصرة ما يذهبون إليه عند مخالفتهم لإجماع الأمة في أي مسألة من المسائل ؛ وهي مسألة صحة وقوع الإجماع ؛ ويرددون كثيراً مقولة الإمام أحمد _رضي الله عنه_ “من ادعى الإجماع فقد كذب”ا.هـ ..إلخ أود من فضيلتكم التعليق حول هذه المسألة وتبيين معنى قولة الإمام السابقة.. وجزاكم الله خيراً.
أبو مصعب
الجواب:
هذه المقولة من الإمام المبجل أحمد بن حنبل رضي الله عنه وجهها أصحابة توجيهات وخرجوها تخريجات لعل أشهرها ما يلي:
التخريج الأول: أن يكون قد قاله في حالة خاصة فنقلت على أنه يريد الإجماع بالكلية، وقد قيل: إنها مسألة القول بخلق القرآن حين ادعى الإجماع عليها أهل البدع لتضليل الناس فقال رحمه الله :من ادعى الإجماع -أي في مسألة القول بخلق القرآن – فقد كذب؛ولذا نقل في المحلى عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال :من ادعى الاجماع فقد كذب، وما يدريه والناس قد اختلفوا! هذه أخبار الاصم وبشر المريسى” [المحلى 3/246]
فقوله :”هذه أخبار الأصم وبشر المريسي” تدل على صحة هذا التخريج. والله أعلم
التخريج الثاني: أنه قال ذلك من باب الورع لئلا يتساهل الناس في دعوى الإجماع لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه.
التخريج الثالث: لعله قال ذلك في حق غير المتأهل لمعرفة الخلاف والوفاق .
والذي يجعل الأئمة يخرجون كلامه على تلك التخريجات وغيرها: هو أنه رحمه الله قد قال بالإجماع في كثير من المسائل، فدل على أنه يرى حجية الإجماع، ولا ينكره كيف وهو من رواة حديث:”لا تجتمع أمتي على ضلالة”، قال الإمام الزركشي رحمه الله :”قال في رواية ابنه عبد الله : من ادعى الإجماع فقد كذب ، لعل الناسَ قد اختلفوا ، ولكن يقول : لا يعلم الناس اختلفوا إذ لم يبلغه قال أصحابه : وإنما قال هذا على جهة الورع ؛ لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه ، أو قال هذا في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف ؛ لأن أحمد قد أطلق القول بصحة الإجماع في مواضع كثيرة..”[البحر المحيط 6/45]
والأدلة على حجية الإجماع قائمة لا مدفع لها وظاهرة لا مطعن فيها وليس بمثل هذه الكلمات تترك الأدلة الشرعية القاضية بوجوب الاحتجاج بالإجماع اليقيني.
ومن عجب أنك ترى هؤلاء المتنطعين إذا ذكرت لهم مسألة تخالف أهواءهم ونقلت فيها الإجماع قالوا لك : من ادعى الإجماع فقد كذب، وهم في نفس اللحظة يحتجون عليك بقول الإمام مالك رضي الله عنه مثلاً في مسألة قطعية وهو ليس بحجة في مسائل الفروع فضلاً عن مسائل الأصول!
والله تعالى يهدي من يشاء برحمته وفضله