السؤال:
يا شيخ سمعت لكم كلاماً في أحد الدروس عن الإسبال وأنكم تقولون: إنه جائز، ولكني لم أتمكن من كتابة ذلك فهل تكرمتم علينا بتحرير المسألة ؟ وما رأيكم فيمن يقول إنه إذا كان للخيلاء كان كبيرة وإذا كان لغير الخيلاء فهو محرم وليس بكبيرة ؟
محمد حسن
الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أخي محمد وفقكم الله تعالى وسددكم
لتعلم أن الإسبال وهو إطالة الثوب ونحوه فيه تفصيل دائماً ما أذكره ولم اعمم القول فيه كما ذكرت ولعلي أفصل القول في المسألة في باب البحوث الشرعية بشكل أوسع ولكني هنا أقول بإيجاز .
الإسبال بحقيقته الماضية له حالات أربع :
الحالة الأولى : الإسبال في الحرب فهو جائز ولا شيء فيه؛ لما فيه من إظهار القوة ومشابةه لمشية المختال الواثق من نفسه وغير ذلك من الحكم التي يذكرها الفقهاء رحمهم الله تعالى وقد جاء في الحديث :” أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى بعض أصحابه يمشي بين الصفين يختال في مشيته قال:” إنها المشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن “.
والحالة الثانية : أن يكون ذلك لحاجة كمن به برص في ساقيه أو كان حِمش الساقين_دقيقهما_ فيجوز له الإسبال حينئذ قال في الإنصاف :”يجوز الإسبال من غير خيلاء لحاجة”[الإنصاف 1/472] ؛وذلك لأن الكراهة تسقط بالحاجة كما تقرر عند الأصوليين.
وأما الحالة الثالثة : فالإسبال للخيلاء وهو محرم بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل:”من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ” فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده ، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :”إنك لست ممن يفعله خيلاء “. رواه البخاري بلفظه.
فمن يجر ثوبه كِبراً وتخايلاً فقد عرَّض نفسه للوعيد الشديد عياذاً بالله تعالى من ذلك .
وأما الحالة الرابعة :
فمن جر ثوبه لغير ذلك كله أي: لغير خيلاء ولا حاجة وفي غير حرب، كما يفعله كثير من الناس اليوم فحكمه الكراهة كما هو معتمد مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى، قال المرداوي رحمه الله :” ويكره زيادته إلى تحت كعبيه بلا حاجة على الصحيح من الروايتين”[الإنصاف 1/472]
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى:” ويكره لغير الخيلاء نص عليه الشافعي في البويطي” [المجموع 4/457]
أما من يفصل فيقول : إنه إذا كان للخيلاء فهو كبيرة وإذا كان لغيره فهو صغيرة ، ويستدل على ذلك بالحديث السابق في الخيلاء وبحديث :”ما أسفل من الكعبين في النار” فقد جانب الصواب لدلالتين :
الأولى : أنه يعرِّف الكبيرة بأنها: ما كان فيه حدٌّ في الدنيا أو وعيد في الآخرة وكلا الحديثين الذين بنى عليهما التفريق فيهما الوعيد بالنار فلا يستقيم الأمر على تعريفه للكبيرة .
والثانية : أن الحديثين واردان على الخيلاء فقط من باب المطلق والمقيد فقوله صلى الله عليه وسلم :”ما أسفل من الكعبين في النار ” مطلق ، وقوله صلى الله عليه وسلم :” من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة” مقيد بالخيلاء ، وحمل المطلق على المقيد في هذا الباب واجب عند الأصوليين؛ لإتحاد الحكم والسبب، فالحكم هو الوعيد على من جر ثوبه وأنزله تحت كعبه ، والسبب في الحديثين واحد وهو الكلام على إسبال الثوب ونحوه فاقتضى ما قد سبق بيانه من بناء المطلق على المقيد وجوباً اتفاقاً .
والله الموفق.