تخطى إلى المحتوى

سؤالات في:مفهوم العبادة

س1/ ما تعرف العبادة ؟

العبادة هي : الطاعة مع الخضوع قاله الزجاج كما نقله عنه الأزهري في :[ تهذيبه]

وقَال بَعضهم: أقصى غايَة الخشوع والخضوع كما قال الزمخشري في تفسيره .

فحتى يكون العمل عبادة لا بد من الذل التام والخشوع الكامل للمعبود .

والعبادة في الشرع: لا تكون إلا بفعل الشـيء تقرّباً أو تنفيذاً لحُكم مَن اعتُقِد ألوهيته.

فهذان قيدان مهمان في تعريف العبادة:

الأول: فعل الشيء على وجه القربة ولا يكون ذلك إلا بتمام الخضوع والذل كما مضى في التعريف اللغوي للعبادة .

والثاني:أن يعتقد في المتقرب إليه الألوهية والتي من لوازمها التأثير في الغير على وجه الاستقلال .

فإن توفر هذان الشرطان كان الفاعل لتلك القربة عابداً للمتقرب إليه .

س2/ هل يفهم من هذا أن مجرد التذلل والخضوع لا يكون عبادة ؟

نعم ؛ لأن شرط العبادة الماضي أن يأتي بأقصى الذل والخضوع ، أما مجرد الخضوع فلا يكون عبادة ؛ ففي حياتنا صور كثيرة فيها ذل وخضوع وليست عبادة ، ومن ذلك خضوع الطالب بين يدي معلمه وخضوع المرؤوس أمام رئيسه ، لكنه لا يكون بتمام الذل والخضوع الذي يكون لله تعالى

وخذ من السنة الشريفة مثالاً على ذلك :جاء في سنن ابن ماجة :[1926] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ للنبي –صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَا هَذَا يَا مُعَاذُ ؟ ». قَالَ : أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ فَوَدِدْتُ في نفسي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم – « فَلاَ تَفْعَلُوا فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤَدِّى الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّىَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِىَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ ».

فهذا سيدنا معاذ بن جبل صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بالحلال والحرام فعل ذلك فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو كان شركاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمره بتجديد إسلامه ، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، ولما كان كفأً أن يرسله النبي صلى الله عليه وسلم لتعليم الناس التوحيد الخالص في اليمن ؛ إذ كيف يرسل من يعلم الناس التوحيد وهو لا يعلم التوحيد الخالص حتى يأتي فينقضه بين يدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وغاية ما في الأمر التحريم أو الكراهة كما هي قولان عند الفقهاء والأصح التحريم وهو قول الجمهور خلافاً للمالكية رحمهم الله جميعاً وذلك سداً لذريعة الشرك وعبادة غير الله تعالى.

س3/ هل يعني أن السجود لغير الله سبحانه ليس كفراً بإطلاق؟

السجود لغير الله سبحانه وتعالى نوعان :

الأول : أن يكون معظماً للمسجود له كتعظيمه لله تعالى أي بغاية الذل وتمام الخضوع مع اعتقاد إلوهيته فهذا كفر وردةٌ ، كما نصَّ عليها الفقهاء رحمهم الله في أبواب الردة .

قال في كنز الدقائق في مذهب السادة الحنفية : [باب صلاة المريض]: “لو سجد لغير الله تعالى يكفر”

وفي تحفة المحتاج في مذهب الشافعية :[ كتاب الردة ]:”السجود لنحو الشمس من مصدق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كفر إجماعاً”

وفي الإنصاف عند الحنابلة في :[باب المرتد ]:في عده للمكفرات :” أو سجد لشمس أو قمر”

ثانياً : أن لا يكون كذلك ، وإن كان في صورة التعظيم لكن لا يعظمه كتعظيم الله تعالى ولا يعتقد فيه الألوهية ، فهذا لا يكفر كما في الحديث السابق ، وكما في قوله تعالى : {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً..}[ يوسف 100]

فالسجود كان تحية وإكراماً له قال الجصاص في :[أحكام القرآن] :”وليس يمتنع أن يكون ذلك السجود عبادة لله تعالى وتكرمة وتحية لآدم عليه السلام وكذلك سجود إخوة يوسف عليهم السلام وأهله له ، وذلك لأن العبادة لا تجوز لغير الله تعالى ، والتحية والتكرمة جائزان لمن يستحق ضرباً من التعظيم “أ.هـ

وقد نهي عنه في شريعتنا كما مرَّ معك في حديث سيدنا معاذ رضي الله تعالى عنه ، وهذا النهي محمول على التحريم عند جمهور الفقهاء ففرق بين السجود تألهاً وتأدباً .

س4/ كيف يوجَّه سجود الملائكة لآدم عليهم السلام..؟

قال الجصاص في :[أحكام القرآن :سورة البقرة : باب السجود لغير الله] :”قال الله تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ.. }[البقرة34 ]، روى شعبة عن قتادة رحمهما الله تعالى : ” أن الطاعة كانت لله تعالى في السجود لآدم ، أكرمه الله بذلك ” ، وروى معمر عن قتادة في قوله { وخرُّوا لَهُ سُجَّدَاً } قال : ” كانت تحيتهم السجود “أ.هـ ، وليس يمتنع أن يكون ذلك السجود عبادة لله تعالى وتكرمة وتحية لآدم عليه السلام ..”أ.هـ

وعليه فلو كان السجود لغير الله تعالى كفراً لما أمرت به الملائكة ؛ إذ إن أصل التوحيد واحد ، وقد كان ذلك الموقف موقف تعظيم وإجلال لسيدنا آدم عليه السلام ، ولا يُتخيَّل أن تعظيمَ الملائكة لآدم عليه السلام كان كتعظيمهم لله تعالى فسجود الملائكة لله تعالى عبودية وسجودهم لآدم إكراماً وتحية له وعبودية لله تعالى .

فيتبين لك حينئذٍ ما سبق تقريره من الفرق بين السجود تألهاً وتأدباً .

س5/ ما رأيكم في تعريف العبادة المشهور:”اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة”؟

هذا التعريف تعريف عام ليس مانعاً من دخول بعض المفردات التي ينبغي أن يقف عندها الناظر ويفيض فيها التأمل يتبين ذلك بما يلي :

قد تقرر عند العلماء رحمهم الله تعالى أن صرف العبادة لغيرالله تعالى كفر فإذا أدى المسلم عبادة رياء ومجاملة فإنه يكون قد فعل فعلاً يحبه الله تعالى ويرضاه لغير الله تعالى، فعلى هذا التعريف يكون قد صرف عبادة لغير الله وعليه فهو كافر!!

وهذا لا يقول به أحد من العلماء فهم يحكمون على من فعل فعلاً رياء بأنه آثم ولكنه لا يكفر وهكذا ..

بينما على التعريف الذي ذكرناه في مطلع البحث لا يكفر إلا إذا فعله تقرباً لمن يعتقد فيه الألوهية من الخلق فهذا كفر وذاك إثم فأين هذا من هذا؟!

والله الموفق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *