الحمد لله، وصلى الله على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ،،،، وبعد:
فأجملْ بها من كلمةٍ قالها الإمام الزاهد الحسن البصري رحمه الله : ” العلم علمان : علم باللسان ، وعلم بالقلب ، فعلم القلب : هو العلم النافع ، وعلم اللسان : هو حجة الله على ابن آدم “. (1)
فالعلم النافع إذاً : هو ما باشر القلوبَ فأوجب لها السكينةَ والخشيةَ ، الإخباتَ لله ، التواضعَ الانكسارَ له ، وإذا لم يباشر القلوبَ ذلك العلمُ ، إنما كان على اللسان : فهو حجة الله على ابن آدم ، تقوم على صاحبه وغيره كما قال ابن مسعود رضي الله عنه : ” إنَّ أقواماً يقرأون القرآنَ لا يجاوز تراقيَهم ، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع صاحبه”. (2)
العلم أدب الله.. :
قال ابن شهابٍ رحمه الله : ” إن هذا العلمَ أدبُ الله الذي أدَّب به نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأدَّب النبي صلى الله عليه وسلم به أمتَه ، أمانة الله إلى رسوله ، ليؤديه على ما أُدّي إليه ، فمن سمع علماً فليجعله أمامه حجة فيما بينه وبين الله عز وجل”.(3)
من أعظم ثمار العلم :
قال الإمام الغزَّالي رحمه الله : ” العلم النافع يثمر خشيةَ الله تعالى ومهابتَه قال الله تعالى : { إنما يخشى اللهَ من عبادِه العلماءُ}. (4) ، وذلك أنَّ من لم يعرفْه حق معرفته ، لم يهبْه حق مهابته ، ولم يعظمه حق تعظيمه وحرمته ، فصار العلم يثمر الطاعةَ كلَّها ، ويحجز عن المعصيةِ كلِّها بتوفيق الله تعالى”.(5)
وقد قبّح الله قلباً لا يخشع عند ذكره ، ولا يرعوي عند أمرِه ، وتوعد ذلك القلب بالويلِ فقال : { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} (6) .
و لن تجد_ يا رعاك الله_ أرقَّ من قلوبِ العلماءِ الصادقين المخلصين ؛ اطمأنت قلوبهم لذكره ، وأنست نفوسُهم به ، فسبحان من أذاقهم لذة قبل اللذة ! وسبحان من أولجهم جنة قبل الجنة !.
وحتى تسعد أبدا :
عليك – رعاك الله – بتحصيل العلم النافع أولاً ، ثم اتبعه بالعملِ فهو الثَّمرة لتلك الشجرةِ ، يقول أبو حامد الغزَّالي _رحمه الله _ : ” يا طالب الخلاصِ والعبادةِ عليك أولاً – وفقك الله – بالعلم فإنه القطبُ وعليه المدارُ ، واعلم أن العلم والعبادة جوهران ، لأجلهما كان كلُ ما ترى وتسمع : من تصنيف المصنفين وتعليم المعلمين ، ووعظ الواعظين …. ” ثم قال : ” العلم بمنزلة الشجرةِ ، العبادةُ بمنزلة ثمرةٍ من ثمراتها ، فالشرف للشجرةِ إذ هي الأصلُ ، ولكن الانتفاعَ إنما يحصل بثمرتها (7) ” .
وعند الطبراني في الأوسط (8) : من وصايا الخضر لموسى – عليهما السلام – : ” تعلَّم ما تعلمت لتعملَ به ، ولا تعلمه للتحدث به ، ، فيكون عليك بوره ، ويكون لغيرك نوره ” .
ومن لم يعمل بعلمه فهو من أجهل الناس وإنْ علم .
يقول سفيان _رحمه الله_ : “إن أنا عملت بما أعلم ؛ فأنا أعلم الناس ، وإن لم أعمل بما أعلم ؛ فليس في الدنيا أحدٌ أجهلَ مني (9) ” .
الله إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا تسمع ، نعوذ بك من هؤلاء الأربع .
وصلى الله على نبينا محمد .
————————-
(1)الذل الانكسار ضمن وسائل ابن رجب 1/296
(2)الذل الانكسار ضمن وسائل ابن رجب 1/296
(3)الجامع للخطيب 1/120
(4) سورة خاطر الآية رقم ( )
(5) منهاج العابدين ( 74 )
(6) سورة الزمر الآية رقم ( )
(7) منهاج العابدين ( 68 )
(8) معجم الطبراني الأوسط رقم ( )
(9)الجامع الخطيب 1/134